فصل: تفسير الآية رقم (275):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} فيه صلاح المتصدق من وجوه: أحدها لو فسر الطيب بالحلال فليقبل الله منه، ولو فسر بالجودة فليجز به بقدر جودته. وثانيها ليثاب على التعظيم لأمر الله. وثالثها ليثاب على الشفقة على خلق الله. ورابعها ليثاب على الإيثار {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] وخامسها ليستحق البر {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]. وسادسها ليثاب على زيادة الإيمان وأن المتصدق في صدقته كالزارع في زراعته. فكما أن الزارع كلما ازداد إيقانه بحصول الثمرة اجتهد في جودة البذر فكذا المتصدق كلما ازداد إيمانه بالبعث والجزاء زاد في جودة صدقته لتحققه {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء: 40] وقدم ذكر الكسب على ذكر المخرج من الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسب يده» وفي الآية معنى آخر لطيف {انفقوا من طيبات ما كسبتم} من تزكية النفوس وتصفية القلوب {ومما أخرجنا لكم} من أرض طينتكم من تحلية سرائركم بمكارم الأخلاق، ولتكن النفقة طيبة من خباثة الشبهات طيبًا إنفاقها من خباثة الأغراض الدنيوية والأخروية، طيبًا منفقهًا من خباثة الالتفات والنظر في الإنفاق إلى غير الله، فإذا كانت النفقة طيبة في نفسها فلله قبول طيب من الوسائط فيأخذها بيده ويربيها قبل أن تقع في يد الفقير، وإذا كانت اليد طيبة في إنفاقها فلله قبول طيب فإنها أبلغ عند الله من عملها، وإذا كان القلب المنفق طيبًا عن الالتفات إلى غير الله فلله قبول طيب عن الأغيار بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهذا تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب» ولستم بآخذي هذا الخبيث لا في أصل الفطرة ولا في عهد الخلقة لأنكم خلقتم من أصل طيب وطينة طيبة. فالروح من أطيب الأطايب لأنه أقرب الأقربين إلى حضرة رب العالمين، والجسد من التراب الطيب {فتيمموا صعيدًا طيبًا} [النساء: 43] ثم أحياكم بالإيمان {فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: 97] ثم يرزقكم من الطيبات {كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 57] فليس منكم شيء خبيث في الظاهر والباطن {إلا أن تغمضوا فيه} فتقبلوه تكلفًا وقسرًا «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصرانه ويمجسانه» فلما لم تكن الخباثة ذاتية للإنسان بل كانت طارئة عليه عارية لديه أنزل الله تعالى كلمة طيبة هي «لا إله إلا الله» ليطيب بالمواظبة عليها أخلاقهم ويستحقوا يوم القيامة أن يقال لهم {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] {واعلموا أن الله غني} فمن كمال غناه أراد أن يغنيكم بثواب الإنفاق {حميد} على ما أنعم بهذا التكليف ليتوسل به إلى الكمال الأبدي. {الشيطان يعدكم الفقر} ظاهرًا فهو يأمركم بالفحشاء باطنًا لأنها اسم جامع لكل سوء فيتضمن البخل والحرص واليأس من الحق والشك في مواعيد الحق بالخلف والتضعيف وسوء الظن بالله وترك التوكل عليه ونسيان فضله وتعلق القلب بغيره ومتابعة الشهوات وترك العفة والقناعة والتمسك بحب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبذر كل بلية. فمن فتح على نفسه باب وسوسة فسوف يبتلى بهذه الآفات وأضعافها، ومن فتح على نفسه باب عدة الحق أفاض عليه سجال غفرانه وبحار فضله وإحسانه. فالمغفرة تكفير الذنوب والآثام، والفضل ما لا تدركه الأوهام {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] فمن ذلك أن يفتح على قلبه باب حكمته عاجلًا كما قال: {يؤتي الحكمة من يشاء} وليست الحكمة مما يحصل بمجرد التكرار كما ظنه أهل الإنكار والذين لم يفرقوا بين المعقولات وبين الأسرار والحكم الإلهيات. فالمعقولات ما تكتسب بالبرهان وهي مشتركة بين أهل الأديان، والأسرار الإلهية مواهب الحق لا ترد إلا على قلوب الأنبياء والأولياء {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء} [النور: 35] {وما يذكر إلا أولوا الألباب} الذين لم يقفوا عند القشور وارتقوا إلى لب عالم النور. ثم أخبر عن توفية الأجور للمنفق في المفروض والمنذور {وما للظالمين} الذين وضعوا الشيء في غير موضعه فبدلوا بالإنفاق النفاق وبالإخلاص الرياء {من أنصار} ولا ناصر بالحقيقة إلا الله، ومن أذن له الله إبداء الصدقات ضد إخفائها، وإخفاؤها تخليتها عن شوب الحظوظ وإليه الإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله» ثم قال: «ورجل تصدق بيمينه فأخفاها عن شماله» أي عن حظوظ نفسه لتكون خالصة لوجه الله. فصاحبها يكون في ظل الله.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن المرء يكون في ظل صدقته يوم القيامة» أي إن كانت صدقته لله كان في ظل الله، وإن كانت للجنة كان في ظل الجنة، وإن كانت للهوى كان في ظل الهاوية. فمعنى قوله: {إن تبدو الصدقات} أي تظهروها لطمع ثواب الجنة فإن طمع الصواب شوب حظ {فنعما هي} فإنها مرتبة الأبرار {إن الأبرار لفي نعيم} [الانفطار: 13] {وإن تخفوها} عن كل حظ ونصيب {وتؤتوها الفقراء} الذين تعطونها إياهم لوجه الله لا لحظ النفس {فهو خير لكم} لأن جزاءها لقاء الله. ثم أخبر عن الهداية وأن ليس لأحد عليها الولاية وأن الله فيها ولي الكفاية، يا محمد لك المقام المحمود واللواء المعقود ولك الوسيلة وعلى الأنبياء الفضيلة، وأنت سيد الأولين والآخرين وأنت أكرم الخلائق على رب العالمين ولكن {ليس عليك هداهم} ولكن الهداية من خصائص شأننا ولوائح برهاننا، أنت تدعوهم ونحن نهديهم.
ثم نبه على أن أفضل وجوه الإنفاق هو الفقير الذي أحصرته المحبة في الله عن طلب المعاش لا الذي أحصره الفقر والعجز عن طلب الكفاف، أخذ عليه سلطان الحقيقة كل طريق فلا له في المشرق مذهب ولا له في المغرب مضرب، ولا منه إلى غيره مهرب.
كأن فجاج الأرض ضاقت برحبها ** عليه فما تزداد طولًا ولا عرضًا

{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} لأنهم مستورون تحت قباب الغيرة محجوبون عن معرفة أهل الغيرية «أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري يا محمد» {تعرفهم بسيماهم} لأنك لست بك فلست غيري، ما رأيت إذ رأيت ولكن الله رأى {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] وإن سيماهم لا يرى بالبصر الإنساني بل يرى من نور رباني، فمن سيماهم في الظاهر من ظهور آثار أحوال الباطن أنهم {لا يسألون الناس إلحافًا} لا بقليل ولا بكثير. لأن اثار أنوار غنى قلوبهم انعكست على ظواهرهم فتنورت بالتفف نفوسهم، واضمحلت ظلمة فقرهم وفاقتهم {وما تنفقوا من خير} من المال أو الجاه أو خدمة بالنفس أو إكرام أو إرادة حتى السلام على هؤلاء السادة استحقاقًا وإجلالًا لا استخفافًا وإذلالًا {فإن الله به عليم} ومن سيماهم في الظاهر أنهم إذا وجدوا مالًا لم يبيعوا عزة الفقر به بل ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية {فلهم أجرهم عند ربهم} عند مليك مقتدر {ولا هم يحزنون} في الدنيا على ما يفوتهم لأنهم تركوها لله وهو لهم خلف عن كل تلف، ولا في الآخرة {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} [فاطر: 34]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (275):

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان سبحانه وتعالى قد ذكر النفقة مما أفاض عليهم من الرزق من أول السورة إلى هنا في غير آية، ورغب فيها بأنواع من الترغيب في فنون من الأساليب، وكان الرزق يشمل الحلال والحرام، وكان مما يسترزقون به قبل الإسلام الربا، وهو أخذ مجانًا، وهو في الصورة زيادة وفي الحقيقة نقص وعيب، ضد ما تقدم الحث عليه من الإعطاء مجانًا، وهو في الظاهر نقص وفي الباطن زيادة وخير؛ نهاهم عن تعاطيه ونفرهم منه، وبين لهم حكمه وأنه خبيث لا يصلح لأكل ولا صدقة، وجعل ذلك في أسلوب الجواب لمن قال هل يكون النفقة المحبوبة المحثوث عليها من كل مال؟ فأجاب بقوله:- وقال الحرالي: ولما كان حال المنفق لاسيما المبتغي وجه الله سبحانه وتعالى أفضل الأحوال، وهو الحال الذي دعوا إليه؛ نظم به أدنى الأحوال، وهو الذي يتوسل به إلى الأموال بالربا، فأفضل الناس المنفق، وشر الناس المربي؛ فنظم به خطاب الربا فقال:- {الذين} ولما كان من الصحابة من أكل الربا عبر بالمضارع إشارة إلى أن هذا الجزاء يخص المصر فقال: {يأكلون الربا} وهو الزيادة من جنس المزيد عليه المحدود بوجه ما- انتهى.
فجرى على عادة هذا الذكر الحكيم في ذكر أحد الضدين بعد الآخر، وعبر بالأكل عن التناول، لأنه أكبر المقاصد وأضرها ويجري من الإنسان مجرى الدم كالشيطان {لا يقومون} أي عند البعث يظهر ثقله في بطونهم فيمنعهم النشاط ويكون ذلك سيماهم يعرفون به بين أهل الموقف هتكًا لهم وفضيحة.
وقال الحرالي: في إطلاقه إشعار بحالهم في الدنيا والبرزخ والآخرة، ففي إعلامه إيذان بأن آكله يسلب عقله ويكون بقاؤه في الدنيا بخرق لا بعقل، يقبل في محل الإدبار ويدبر في محل الإقبال انتهى.
وهو مؤيد بالمشاهدة فإنا لم نر ولم نسمع قط بآكل ربا ينطق بالحكمة ولا يشهر بفضيلة بل هم أدنى الناس وأدنسهم {إلا كما يقوم} المصروع {الذي يتخبطه} أي يتكلف خبطه ويكلفه إياه ويشق به عليه {الشيطان} ولما كان ذلك قد يظن أنه يخبط الفكر بالوسوسة مثلًا قال: {من} أي تخبطًا مبتدئًا من {المس} أي الجنون، فأشار سبحانه وتعالى بذلك إلى المنع من أن تكون النفقة من حرام ولاسيما الربا، وإلى أن الخبيث المنهي عن تيمم إنفاقه قسمان: حسي ومعنوي، والنهي في المعنوي أشد. اهـ.

.اللغة:

{الربا} لغة: الزيادة يقال: ربا الشيء إذا زاد ومنه الربوة والرابية، وشرعًا: زيادة على أصل المال، يأخذها الدائن من المدين مقابل الأجل.
{يتخبطه} التخبط: الضرب على غير استواء، كخبط البعير الأرض بأخفافه، ويقال للذي يتصرف ولا يهتدي: خبط في عشواء وتورط في عمياء، وتخبطه الشيطان إذا مسه بخبل أوجنون.
{المس} الجنون وأصله من المس باليد، كأن الشيطان يمس الإنسان فيحصل به الجنون.
{سلف} مضى وانقضى ومنه سالف الدهر أي ماضيه.
{يمحق} المحق: نقصان الشيء حالا بعد حال ومنه المحاق في الهلال، يقال محقه الله فانمحق وامتحق.
{أثيم} كثير الإثم، وهو المتمادي في الذنوب والآثام. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{الربا} حيث كان بالإمالة: حمزة وعلي وخلف. وهذا إذا كان معرّفًا ولا يميلون المنكر في الوصل لأجل التنوين كقوله: {وما آتيتم من ربا} [الروم: 39] ويميلون في الوقف لزوال التنوين {فأذنوا} ممدودة مكسورة الذال: حمزة وحماد وأبو بكر غير ابن غالب والبرجمي حمزة يقف بغير همزة أي بالتليين. الباقون فأذنوا بسكون الهمزة وفتح الذال {لا تظلمون ولا تظلمون} الأول مبني للمفعول والثاني للفاعل المفضل. الباقون بالعكس {ميسرة} بضم السين: نافع {ميسرة} بضم السين وإثبات التاء: زيد عن يعقوب، الباقون بفتح السين وعدم التاء. {وأن تصدقوا} خفيفًا بحذف إحدى التاءين: عاصم. الباقون بتشديد الصاد لإدغام تاء التفعل في الصاد. {ترجعون} بفتح التاء وكسر الجيم: أبو عمرو ويعقوب عباس مخير. الباقون مبنيًا للمفعول.